1 - نظرية عدالة الصحابة عند اهل السنة
اتفق اهل السنة على
ان جميع الصحابة عدول ، ولم يخالف في ذلك إلاّ شذوذ من المبتدعة ، على حد
تعبير ابن حجر العسقلاني ، ويجب الاعتقاد بنزاهتهم ، اذ ثبت ان الجميع من
اهل الجنة وانه لا يدخل احد منهم النار (1) والمقصود بالصحابة كل الصحابة
بالمعنى الذي عرضناه عند تحليل تعريف ابن حجر .
ما هو دليل اهل السنة على ذلك
ذكر الخطيب ان عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم ، واخباره عن طهارتهم واختياره لهم . فمن ذلك قوله تعالى ( كنتم خير امة اخرجت للناس ) وقوله ( وكذلك جعلناكم امة وسطا ) وقوله ( لقد رضي الله عن المؤمنين اذ يبايعونك تحت الشجره فعلم ما في قلوبهم ) وقوله ( والسابقون الاولون من المهاجرين والانصار والذين اتبعوهم باحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه ) وقوله ( يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ) وقوله ( للفقراء المهاجرين الذين اخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله اولئك هو الصادقون ) الى قوله ( انك رؤوف رحيم ) وفي آيات كثيرة يطول ذكرها ، واحاديث شهيرة يكثر تعدادها (2) .
____________
(1 و 2) راجع الاصابة في تمييز الصحابة ص 9 و 10 .
تعني عدالة
الصحابة فيما تعنيه ، ان كل من عاصر الرسول او ولد في عصره ، لا يجوز عليه
الكذب والتزوير ، ولا يجوز تجريحه ، ولو قتل آلافاً وفعل المنكرات ، وعلى
اساس ذلك فجميع الطبقة الاولى من الامويين ، كأبي سفيان واولاده ، وجميع
المروانيين بما فيهم طريد رسول الله واولاده ، والمغيرة بن شعبة وولده عبد
الله الذي كان في حدود العاشرة من عمره حين وفاة النبي صلى الله عليه وآله
، ومع ذلك نسبوا اليه مجموعة من الاحاديث كتبها على النبي في صحيفة
يسمونها الصادقة . فجميع هؤلاء من العدول ومروياتهم من نوع الصحاح ولو
كانت في تجريح علي وآهل البيت ، وفي التقريظ والتقديس لعبد الرحمن بن ملجم
. هذه المرويات يجب قبولها ولا يجوز ردها لان رواتها من العدول ، والعادل
لا يتعمد الكذب ، والذين اتبعوا معاوية وسايروه طيلة ثلاثين عاماً من حكمه
، هؤلاء كلهم على الحق والهدى ، وحتى الذين سموا الحسن بن علي وقتلوا
الحسين واصحابه ، وفعلوا ما فعلو من الجرائم في الكوفة وغيرها كانوا محقين
ومن المهتدين بحجة ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد قال بزعمهم ( اصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ) (1) وهذا الحديث ضعفه ائمة اهل الحديث فلا حجة فيه وطعن فيه ابن تيمية (2) .
ما هو جزاء من لا يعتقد بهذا الرأي ؟
بأقل أقوال أهل السنة ( اذا رأيت الرجل ينقص احداً من اصحاب رسول الله
فاعلم انه زنديق . والذين ينقصون احداً على الاطلاق من اصحاب رسول الله هم
زنادقة والجرح اولى بهم ) (3) ومن عابهم او انتقصهم فلا تؤاكلوه ولا
تشاربوه ولا تصلوا عليه (4) .
____________
(1) راجع ص 81 و 82 من كتاب آراء علماء المسلمين في التقية والصحابة وصيانة القرآن الكريم للسيد مرتضى الرضوي .
(2) المرجع السابق ص 91 وقد نقل عن محب الدين الخطيب وعن المنتقى للذهبي .
(3) راجع الاصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني ص 17 و 18 .
(4) راجع ص 238 من كتاب الكبائر للحافظ الذهبي وراجع آراء علماء المسلمين ص 85 للسيد مرتضى .
ما هو سر هذا التشدد والصرامة عند اهل السنة ؟
ذلك ان الرسول حق ، والقرآن حق ، وما جاء به حق ، وانما ادى الينا ذلك كله
الصحابة . وهؤلاء الذين ينقصون احداً من الصحابة يريدون ان يخرجوا شهودنا
ليبطلوا الكتاب والسنة والجرح اولى بهم وهم زنادقة (1) .
استذكار
يقصد اهل السنة بالصحابة ما قصده ابن حجر عند تعريفه للصحابي بدءاً من
خديجة وعلي وزيد بن حارثة وابي بكر وانتهاءً بآخر طفل رأى الرسول او رآه
الرسول ، ويستحسن ان نرجع لعرضنا لتحليل ابن حجر لتعريف الصحابي .
محاولة للتخفيف من هذا الغلو
قال المازري في شرح البرهان ( لسنا نعني بقولنا الصحابة عدول كل من رآه
النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوماً او زاره لماماً ، او اجتمع به لغرض
وانصرف عن كثب ، وانما نعني به الذين لازموه وعزروه ونصره واتبعوا النور
الذي انزل معه اولئك هم المفلحون ) انتهى (2) .
استنكار المحاولة ودفنها
والجواب على ذلك ان التغييرات المذكورة خرجت مخرج الغالب والا فالمراد من
اتصف بالاتفاق والقتال بالفعل او القوة . وأما كلام المازري فلم يوافق
عليه بل اعترضه جماعة من الفضلاء . وقال الشيخ صلاح العلاني ( هذا قول
غريب يخرج كثيراً من المشهورين بالصحبة والرواية عن الحكم بالعدالة كوائل
بن حجر ومالك بن الحويرث وعثمان بن العاص وغيرهم ممن وفد عليه صلى الله
عليه وآله وسلم ولم يقم عنده الا قليلاً وانصرف . كذلك من لم يعرف الا
برواية الحديث الواحد ولم يعرف مقدار اقامته من اعراب القبائل والقول
بالتعميم هو الذي صرح به الجمهور وهو المعتبر ) (3)
____________
. (1) راجع الاصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني ص 17 و 18 .
(2) الاعراف ـ 157 ، راجع الاصابة في تمييز الصحابة ص 19 .
(3) راجع الاصابة في تمييز الصحابة ص 19 .
1 - نظرية عدالة الصحابة عند الشيعة
1 ـ مولاة الشيعة للصحابة
يقول السيد مرتضى الرضوي : الشيعة يوالون اصحاب محمد ( عليه وآله الصلاة
والسلام ) الذين ابلوا البلاء الحسن في نصرة الدين وجاهدوا بأنفسهم
واموالهم . واتهام الشيعة بسب الصحابة وتكفيرهم اجمع هو اتهام بالباطل ،
ورحم بالغيب وخضوع للعصبية ، وتسليم للنزعة الطائفية ، وجري وراء الاوهام
والاباطيل .
2 ـ من هم الصحابة عند الشيعة
الصحبة تشمل كل من صحب النبي او رآه او سمع منه ، فهي تشمل المؤمن
والمنافق والعادل والفاسق والبر والفاجر ... فالصحبة ليست بمجردها عاصمة
تلبس صاحبها ايراد العدالة ، وانما تختلف منازلهم وتتفاوت درجاتهم
بالاعمال . ولنا في كتاب الله واحاديث رسول الله كفاية عن التحمل في
الاستدلال على ما نقول ، والآثار شاهدة على ما نذهب اليه من شمول الصحبة
وان فيهم العدول من الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، ورسخت اقدامهم في
العقيدة ، وجرى الايمان في عروقهم ، واخلصوا لله فكانوا بأعلى درجة من
الكمال . وقد وصفهم الله عز وجل بقوله تعالى (
اشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله
ورضواناً سيماهم في وجوههم من اثر السجود ، ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم
في الانجيل كزرع اخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة واجراً عظيماً) .
وهم المؤمنون ( الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وانفسهم في سبيل الله اولئك هم الصادقون ) ( سورة الحجرات ) . وقد أمر الله باتباعهم والاقتداء بهم بقوله ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) ( سورة التوبة ) . هؤلاء هم اصحاب محمد العدول عند الشيعة .
الشيعة تناقش اعمال ذوي الشذوذ من الصحابة بحرية فكر وتزن كل واحد منهم
بميزان عمله فلا يوادون من حاد الله ورسوله ويتبرأون ممن اتخذوا ايمانهم
جنة فصدوا عن سبيل الله . وهم بهذا الاسلوب لا يخالفون كتاب الله وسنة
رسوله وعمل السلف الصالح في تمييز الصحابة .
3 ـ نقطة الخلاف الجوهرية
أهل السنة يقولون بعدالة كل الصحابة بالمعنيين اللغوي والاصطلاحي . واهل الشيعة يقولون بعدالة المتصف بالعدالة من الصحابة فقط .
4 ـ دعاء الشيعة لاصحاب محمد
ان الدعاء الذي تردده الشيعة لاصحاب محمد لدليل قاطع على حسن ولاء الشيعة
للصحابة واخلاص المودة لهم . فهم يدعون الله لاتباع الرسل عامة ولاصحاب
محمد خاصة بما ورثوه من ائمتهم الطاهرين .
5 ـ أشهر أدعية الشيعة
ومن اشهر ادعية الشيعة للصحابة دعاء زين العابدين عليه السلام في صحيفته المعروفة بالسجادية ، وهو :
(
اللهم واتباع الرسل ومصدقوهم من اهل الارض بالغيب عند معارضة المعاندين
لهم بالتكذيب ، والاستباق الى المرسلين بحقائق الايمان ، في كل دهر وزمان
ارسلت فيه رسولاً ، واقمت لاهله دليلا من لدن آدم الى محمد من ائمة الهدى
وقادة اهل التقى على جميعهم السلام ، فاذكرهم منك بمغفرة ورضوان .
اللهم واصحاب محمد خاصة الذين احسنوا الصحبة ، والذين ابلوا البلاء الحسن
في نصره وكاتفوه واسرعوا الى وفادته وسابقوا الى دعوته واستجابوا له حيث
اسمعهم حجة رسالاته ، وفارقوا الارواح والاولاد في اظهار كلمته ، وقاتلوا
الآباء والابناء في تثبيت نبوته وانتصروا به ، ومن كانوا منظومين على
محبته يرجون تجارة لن تبور في مودته والذين هجرتهم العشائر اذ تعلقوا
بعروته ، وانتفت منهم القرابات اذ سكنوا في ظل قرابته ، فلا تنس لهم اللهم
ما تركوا لك وفيك وارضهم من رضوانك وبما حاشوا الخلق عليك ، وكانوا مع
رسولك دعاة لك اليك واشكرهم على هجرهم فيك ديار قومهم وخروجهم من سعة
المعاش الى ضيقه ومن كثرت في اعزاز دينك من مظلومهم . اللهم واوصل الى
التابعين لهم باحسان الذين ( يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا
بالايمان ) خير جزائك الذين قصدهم سمتهم وتحروا وجهتهم ومضوا على شاكلتهم
لم يثنهم ريب في نصرتهم ولم يختلجهم شك في قفو آثارهم ولائتمام بهداية
منارهم ، مكاتفين ومؤازرين لهم يدينون بدينهم ويهتدون بهداهم ينفقون عليهم
ولا يتهمونهم فيما ادوا اليهم ، اللهم صل على التابعين من يومنا هذا الى
يوم الدين وعلى ازواجهم وعلى ذرياتهم وعلى من أطاعك منهم صلاة تعصمهم بها
من معصيتك وتفسح لهم في رياض جنتك ، وتمنعهم بها من كيد الشيطان ، وتعينهم
بها على ما استعانوك عليه من بر وتقيهم طوارق الليل والنهار الا طارقاً
يطرق بخير ، وتبعثهم بها على اعتقاد حسن الرجاء بك ، والطمع في ما عندك
وترك التهمة في ما تحويه ايدي العباد لتردهم الى الرغبة اليك والرهبة منك
وتزهدهم في سعة العاجل وتحبب اليهم العمل الآجل والاستعداد لما بعد الموت
وتهون عليهم كل كرب يحل بهم يوم خروج الانفس من ابدانهم ، وتعافيهم مما
تقع به الفتنة من محذوراتها وكبة النار وطول الخلود فيها وتصير لهم الى
امن من مقيل المتقين ) (1) .
____________
(1) الصحيفة السجادية للامام علي بن الحسين عليه السلام ص 43 ـ 45 .